إعلانات
مواضيع مماثلة
بحـث
المواضيع الأخيرة
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 241 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 241 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 289 بتاريخ الجمعة نوفمبر 15, 2024 5:55 pm
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
جنوب الروح لمحمد الأشعري رواية الحنين إلى الماضي والعودة إلى الجذور
صفحة 1 من اصل 1
جنوب الروح لمحمد الأشعري رواية الحنين إلى الماضي والعودة إلى الجذور
محمد الأشعري كاتب متعدد الاختصاصات، مارس الصحافة والنضال السياسي ضمن حزب الاتحاد الاشتراكي. وقد كان رئيس اتحاد كتاب المغرب. وصار بعد ذلك وزيرا للثقافة في حكومة عبد الرحمــن اليوسفي التناوبية وإدريس جطو.
كتب الأشعري منذ السبعينيات (صهيل الخيل الجريحة 1978) و(عينان بسعة الحلم 1981) و(يوميات النار والسفر 1983 ) و(سيرة المطر 1988) و(مائيات 1994م) و ( سرير لعزلة السنبلة 1998 ). وصدرت له عام 1991 مجموعة قصصية بعنوان (يوم صعب) . وفي سنة 1996 أصدر لأول مرة ضمن تجاربه الأدبية روايته (جنوب الروح).
هذا، وتصور (جنوب الروح) حنين الشخصيات الروائية إلى جذورها وأصولها السلالية ومنبتها القرابي والحضاري. وتؤرخ لأسرة آل الفرسيوي من بني عكي قبيلة بني توزين الموجودة في بوضيرب بتمسمان التابعة لإقليم الناظور في الشمال الشرقي بالمغرب وتنتمي إلى دائرة الريف. وقد هاجر آل الفرسيوي منطقة الريف منذ القرن التاسع عشر في سنواته الأخيرة بسبب الأوبئة والمجاعات التي اجتاحت المنطقة. وهكذا غادرت هذه السلالة الريفية بوضيرب متجهة نحو زرهون المجاورة لفاس ومكناس.
وهذه الرواية مجرد استذكار نثري واسترجاع لتاريخ هذه السلالة وأسباب مجيئها إلى زرهون ووضعيتها الثقافية والدينية والاجتماعية والاقتصادية في هذه المنطقة، يقوم بهذا الاسترجاع (فلاش باك) حفيد الفرسيوي الأكبر الذي يدرس بكلية الحقوق بالرباط. وهو ابن محمد الفرسيوي الذي ترك لابنه كناشا يؤرخ لهذه السلالة الريفية الأمازيغية العريقة في الفحولة والجهاد والعبادة والتبرك الصوفي والروحاني. فعبر صفحات هذا الكناش يستعيد الكاتب تاريخ آل الفرسيوي وكيفية انتقالهم إلى دوار بومندرة بزرهون. ويقوم برحلة إلى مدينة الناظور لينتقل إلى بوضيرب عبر دريوش وميضار ليبحث عن جذور هذه السلالة ويبحث عن الأقارب والأجداد والآباء والأحفاد والإخوة لإحياء صلة الرحم وإحياء تاريخ هذا العرق الفرسيوي وإعادة تاريخ منطقة الريف وأبطالها الأشاوس المجاهدين كمحمد بن عبد الكريم الخطابي وشجاعة بني توزين وأهل تمسمان. فرحلة الكاتب هي حنين إلى الأصل وجذور المنبت السلالي، واستذكار للماضي وتاريخ الريفيين إبان القرون الماضية وفترة الحماية وما بعد الاستقلال.
وتطفح الرواية بشخصيات تاريخية واقعية وأسطورية ودينية ساهمت في خلق أفضية آل الفرسيوي بدوار بومندرة في ناحية زرهون حيث الزوايا وأضرحة الأولياء ومدفن مولاي إدريس الأول وتلاوة القرآن وتراتيل أوراد المشاهدة الوجدانية.
وهكذا تسجل الرواية رحلة آل الفرسيوي من الشمال (منطقة الريف) نحو الجنوب (زرهون) بحثا عن الاستقرار والعيش الآمن وخصوبة الأراضي لتفليحها والأكل من ثمارها وشرب ألبان حيواناتها وشرب مياه عيونها الأطلسية المثلجة وخلق أجواء الفرح والتناسل والإكثار من الأبناء والأحفاد لتوسيع السلالة بزرهون.
لكن الموت بدأ يحصد الكبار من الرجال والنساء معا وينذر أفراد هذه السلالة بالأجل المحتوم أو القضاء الذي لا مفر منه. وهكذا أصبح الموت حالة طبيعية في دوار بومندرة: «... وبدأت دورة أخرى في حياة بومندرة، بدأت بازدهار مدوخ (...) ثم آلت إلى ضمور محزن"(1). " وهكذا نشأ دوار بومندرة (...) لكن الأمكنة عندما تولد فإنها لا تنتظر من أحد أن يقود خطاها الصغيرة"(2).
وما رواية (جنوب الروح) إلا رواية المكان والحنين إلى الجذور والأصل والمنبت، وتدوين الرحلة والهجرة من مكان الموت إلى مكان الموت. إنها رواية الجنازة ورحلة العذاب والموت، وتصور كذلك بروح إثنوغرافية عادات الريفيين بزرهون وطبائعهم وترابطهم العائلي واجتماعهم على محبة الله والتعاون والتآزر والإخاء والتضامن.
وتظهر دواوير بومندرة كأنها رباطات صوفية وأضرحة ربانية وزوايا صوفية ومساجد قرآنية. وفي الوقت نفسه نجدها فضاء للصراعات والجدالات ومقامات النفاق ومرتع الأهواء والزيف والهراء وتحقيق الرغبات الغريزية الطبيعية في الإنسان القائمة على المتعة والشهوة وإشباع اللذات الجنسية؛ ومعاقرة محمد الفرسيوي للخمرة بالرباط والتلهف الشبقي بحثا عن المرأة المؤنسة.
وهكذا يجتمع التقوى وحب الله والتصوف والعبادة إلى جانب الخرافة والشعوذة وممارسة الحرام. إنه فضاء القيم المزدوجة والمقنعة الذي يؤدي إلى الموت والفقدان وقطع جذور السلالة وانمحائها على مر السنين والعصور.
ويمكن القول: إن رواية (روح الجنوب ) هي رواية الموت والفقدان واستذكار المنسي والحنين إلى الأصل والتغني بالهوية الحضارية والثقافية حتى إن الكاتب يستعمل اللغة الريفية ليحتك بجذور السلالة وعوائدها الاجتماعية والسلوكية والأخلاقية.
وهذه الرواية "تفسح المجال للذات في تماسها وحوارها مع المجتمع والتاريخ والآخر، وهي على صلة وثيقة بالهوية الثقافية للإنسان المغربي، وتتعامل مع الثقافية الشعبية واللاشعور الجماعي، وتستنطق التاريخ المغربي غير الرسمي، وتتمثل الجغرافيات والمتخيلات، وتتفاعل مع الحكايات الشفوية الشعبية، وتستحضر مختلف اللغات والقدرة كبيرة على تشغيل اللغة وتوظيف الأحلام وتفسير الأحلام وتجعل من الاستيهامات الشرط الأساسي كباقي أساسيات الحياة اليومية للإنسان"(1).
وهكذا فرواية (روح الجنوب) هي رواية "لعبة التذكر" على خلاف رواية محمد برادة (لعبة النسيان)؛ لان الكاتب يستهويه الحنين إلى أماكن انطلاق أسرته واستقرارها بزرهون. إنه تاريخ حافل بالذكريات والبطولات والفحولات والنضالات والأفراح والمآسي. ويمكن تحديد مجموعة من التيمات الأساسية في الرواية بعضها يتداخل مع بعض في شكل بنيوي نسقي ووظيفي، وهذه التيمات هي:
التضرع الروحاني والموت والفقدان والرحلة والهجرة والهوية والحنين إلى الجذور والأصول والتاريخ والتذكر والتغني بالمكان سواء أكان مقدسا أم مدنسا وتحضر تيمة الموت في معظم النصوص الروائية والإبداعية محليا وعالميا عند توماس مان وهرمان بروخ ونجيب محفوظ ومحمد برادة ولدى جيمس جويس وتولوستوي وبروست. ويذهب الناقد الغربي " زوب لويس إلى القول بأن أفضل طريقة للتمييز بين الأجيال الأدبية هي معرفة كيف نظر كل منها إلى حقيقة الموت"(1).
وتحضر في هذه الرواية كذلك شخصيات ميثولوجية ودينية إلى جانب أفراد آل الفرسيوي: رجالا ونساء وكبارا وصغارا وأجدادا وأحفادا. وقد صورتهم الرواية بطريقة أسطورية وجعلت منهم كائنات ملائكية وذوات روحانية لا تخطئ، حتى وإن أخطأت فسرعان ما تتضرع إلى الله تبارك وتعالى طالبة منه المغفرة متبركة بالأولياء الصالحين. وبلغ هذا التصوير درجة التنزيه والتشيع لآل الفرسيوي وتمجيدهم بطريقة المفارقة والمبالغة في آن معا.
وقد انصب الوصف في الرواية كثيرا على الأمكنة سواء المدنسة منها أم المقدسة عبر الارتحال أو الاستقرار راصدا الأفضية المنغلقة والمنفتحة منها/ والحميمية أو العدائية بصيغة شاعرية وإيحائية تستند إلى ذكر المواصفات والتشبيهات على غرار الرواية الرومانسية أثناء نقل مشاهد الطبيعة وذكر قسماتها ونعوتها وسماتها الذاتية والخارجية واستنطاقها أنسنة وتجسيدا وتشخيصا. كما نلاحظ إلى جانب وصف الأفضية والشخصيات وصف الوسائل الحيوانية منها (الحمار) أو المادية (البلنسيانا). وهذا الوصف الموجود في الرواية يغلب عليه الاستقصاء والتفصيل والتوسيع في بعض الأحيان. وفي أحيان أخرى يكتفي بالإيحاء والتلميح والاقتصاد في الأوصاف واستعمال الفواصل القصيرة والجمل البسيطة في نقل مشاهد إثنوغرافية من عادات وطبائع آل الفرسيوي وذكر أطعمتهم وملابسهم وإقبالهم على العبادات ودفن أمواتهم وسلوكاتهم في أفراحهم .
وإذا انتقلنا إلى دراسة الفضاء المكاني في الرواية وجدنا العنوان الخارجي يحيل على مدى أهميته واحتوائه لمعظم الأحداث وجزئياته المتشظية. فهو المرصد الحقيقي للحكاية في انتفاخاتها وتوسعاتهاالقصصية والسردية. إن الجنوب هو المكان الرئيسي في الرواية؛ لكونه يضم أفضية متنوعة مثل زرهون وبومندرة والأضرحة والزوايا والمساجد والدواوير والجبال والمزارع، ويطبع هذا المكان الموت والفقدان ومحو الآثار والحنين إلى جذور السلالة في الشمال. ويلاحظ كذلك أن الروحانية التي تطبع العنونة الخارجية ذات دلالتين متناسقتين: إذ تدل الروح على الموت والتضرع الصوفي والطهارة والنقاء الرباني. ويشير الجنوب إلى اتجاه الهجروالارتحال وتعيين البداية والنهاية .
هذا، وتصور الرواية رحلة من الناظور إلى مكناس، وإعادة سيناريو الهجرة عبر التذكر من خلال إحياء هذه الهجرة عبر الممارسة الفعلية لحفيد الفرسيوي الجد من الجنوب نحو الشمال بحثا عن الجذور وأصول السلالة في قبائل بني توزين الواقعة في تمسمان.
ويلاحظ مدى توظيف
الكاتب لمحكي السفر على غرار كتابات الرحالة والجغرافيين والمؤرخين.
أما من الناحية السردية والجمالية، فيستعمل الكاتب ضمير المتكلم لخلق سيرة تاريخية وذاتية في آن معا. فالأولى غيرية (آل الفرسيوي)، والثانية أطوبيوغرافية ( الذات في علاقة مع الغير﴾.
ويلاحظ سرديا هيمنة الرؤية من الداخل حيث السارد حاضر ومشارك في إنجاز الأحداث والبرامج السردية. ويقوم السارد المساوي للشخصيات في المعرفة بتبئير الأحداث وسردها لتنتقل الرؤية المصاحبة إلى رؤية من الخلف في الفصول الأولى من الرواية وذلك باستعمال ضمير الغياب وسرد النواحي الخارجية والداخلية والتغلغل في الأعماق الشعورية واللاشعورية لآل الفرسيوي.
ومن الناحية الزمنية، فالرواية استرجاع وتذكر للماضي بطريقة إيحائية مما جعل التسلسل المنطقي والزمني يصابان بالاختلال السردي والتشظي الحكائي. ويلاحظ كذلك تداخل الأزمنة بطريقة ممتعة جدا توحي بمدى تمكن الكاتب بتقنيات الرواية الطلائعية وتجريب مفاهيم النقد السردي الحداثي. إذ السارد/الكاتب هو الذي يقوم في الحاضر باسترجاع ماضي السلالة معتمدا على الزمن الهابط وذلك بالانتقال بين الحياة والموت بحثا عن الجذور وأصول العائلة وما لحقها من تطورات معيشية في زرهون.
ويمتد زمن القصة من أواخر القرن التاسع عشر ويمر بزمن الحماية ومغرب الاستقلال والمغرب المعاصر في راهنية الكاتب في علاقته بالفضاء العام والفضاء الخاص.
هذا, وقد استخدم الكاتب الأسلوب غير المباشر (الخطاب المسرود) بكثرة، وهذا أمر يدل على مدى اقتراب النص المحكي من الخطاب التاريخي واستلهام موضوعيته وسرد الأحداث واسترجاع المحكي المنسي.
ويوجد إلى جانب هذا الأسلوب حوار الشخصيات وأسلوب المنولوج والأحلام ( رأى فيما يراه النائم...). وهذا يجعل من الرواية نصا ثريا بالأساليب والسجلات اللغوية، و نجد لأول مرة – في اعتقادنا- رواية مغربية توظف أمازيغية الريف المغربي(1). وهي مسورة بالفصحى إلى جانب الدارجة أو العامية المغربية خاصة في الفصل الأول والفصول المتوالية لها. وتتناسق هذه التعددية اللغوية مع التعددية الأسلوبية المهجنة والتعددية الخطابية والأجناسية (الرواية – التاريخ- السفر- السيرة...) إلى جانب مستنسخات دينية وأسطورية وحلمية وصوفية.
أما لغة الرواية فهي لغة إنشائية شاعرية موحية تميل إلى اللغة الرومانسية الرشيقة ذات الطابع الصافي الرقيق. وتمتاز بوضوحها واحترامها لقواعد التصريف وتراكيب اللغة العربية وسنن إملائها وكتابتها إلى جانب اتساق فصولها وانسجامها على الرغم من الاختلال الزمني والإكثار من الاسترجاع لزمن الماضي على حساب الحاضر والمستقبل؛ مما جعل هذه الرواية نصا يقوم على استذكار ماضي المكان عبر تفتيت مخيلة الكبار وكناش محمد الفرسيوي والارتحال فعليا إلى أصل السلالة (بوضيرب) عندما قام ابن محمد الفرسيوي بترجمة التذكر إلى الممارسة الحقيقية حيث انتقل إلى عين المكان لينبش في جذور الذاكرة وفروع السلالة وأصولها لإحياء الماضي من جديد.
ونلاحظ تناصيا عدة سجلات ونصوص وخطابات تفاعلت في الرواية لتخلق منها نصا متعدد الأجناس والأنواع ومنفتحا على باقي المعارف والنصوص الإبداعية والفنون الأدبية، ومنها :
1- الخطاب المناقبي الصوفي (الأضرحة، الزوايا، الولاية...)
2- الخطاب التاريخي (خطاب ثورة عبد الكريم الخطابي، مجاعات الريف وأوبئتها ، الحماية ، استغلال المغرب...)
3- الخطاب الديني ( النصوص القرآنية...)
4- الخطاب العجائبي (تحول ذكر الفرسيوي الأكبر في صلابته وقوته إلى أرنب....)
5- الخطاب الأسطوري ( قصة الملك شمهروش ملك الجن...)
6- خطاب الرؤيا والأحلام ( رأى فيما يرى النائم...)
7- خطاب الرحلة والسفر ( الارتحال من الشمال نحو الجنوب...)
ويمكن أن تكون رواية (لعبة النسيان) لمحمد برادة حافزا جنينيا ودافعا إبداعيا لكتابة هذه الرواية الرائعة في طابعها الفني والإثنوغرافي والتاريخي. فإذا كانت رواية محمد برادة قائمة على لعبة النسيان لكل ما يمت بصلة إلى الفضاء الخاص أو العام، فإن رواية محمد الأشعري تستند إلى لعبة التذكر لكل ما يتعلق بالفضاء من شخوص وأحداث سواء أكانت خاصة أم عامة.
أما عن أبعاد هذه الرواية فإنها تدافع عن جذور الإنسان وأصوله وهويته وحقوقه في إثبات انتنمائه المكاني واللغوي. لذلك ينفض الغبار عن مناطق مهمشة مثل الريف بكل أبعاده التاريخية والحضارية. إنه يريد أن يتذكر ماضي هذه المنطقة ليبين ما تزخر به من إمكانيات نضالية وفحولية وبطولات شرفت التاريخ (ثورة عبد الكريم الخطابي- جهاد الريفيين ومواجهاتهم العديدة للمستعمر وصراعهم مع المحيط الذي أصابته عدة أزمات مثل غمة المجاعة والأوبئة العديدة مما دفع بالكثير من الريفيين للهجرة إما إلى الشرق (الجزائر) أو إلى الجنوب (زرهون- فاس- مكناس – تازة) أو إلى الغرب وشماله (تطوان – شفشاون – طنجة– العرائش – القصر الكبير ...).
ويدافع محمد الأشعري في هذه الرواية عن أمازيغية الريف وكينونتها الحضارية كما يدافع عن الريفيين أينما حلوا وارتحلوا ويحثهم على التشبت بالهوية وطبائعهم وسلوكاتهم ومعتقداتهم وبراءتهم الفطرية وأخلاقهم الروحاينة وتصرفاتهم الاجتماعية حيث يصورهم بطريقة تنزههم وتوصلهم إلى مراتب التمجيد والتطهير والولاية الصوفية على الرغم من بعض المفارقات الشائنة التي نشتم منها رائحة التهكم والسخرية
هذا ويؤكد الكاتب مدى محافظة الريفيين على عاداتهم وطبائعهم وعدم تغييرها حيث استقروا أو ارتحلوا، بل يستمرون في التشبت بتقاليدهم وأعرافهم كما ورثوها من أجدادهم ثابتين عليها ومحافظين لا مبتدعين ولا ضالين. لذلك يدعونا الكاتب – ضمن أطروحة الرواية- إلى عدم نسيان جذورنا وهويتنا الحضارية والدينية والثقافية واللغوية بالخصوص، والاعتزاز بها أيما اعتزاز وفخر. ويرفض الكاتب سياسة التهميش لجذور هؤلاء الريفيين المستقرين أو المهاجرين. كما يندد بالذين يحاولون طمس هويتهم وإقصاء لغتهم و يحاول معاقبة كل من ساهم في إذكاء سلطة النسيان والفقدان وإماتة هذه السلالة بطريقة شعورية أو لاشعورية.
إن محمد الأشعري من خلال هذه الرواية كأنه يقول لمحمد برادة: إن قضيتنا الجوهرية والمستقبلية والحضارية ليست لعبة النسيان والفقدان بل هي قضية أساسية نسميها عن طريق المفارقة بلعبة التذكر واسترجاع الهوية وما يتعلق بها من كينونة لغوية وحضارية وسلالية. وقد قال شكسبير : " كن أو لا تكن، ذلك هو السؤال ! To be or not to be that is the question. ومن ثم، فسؤال الرواية هو : من نحن ؟ والجواب هو : أن نعيد تذكر الجذور والسلالات وربط الحاضر بالماضي.
وبناء على ما سبق، يمكن القول : إن رواية "روح الجنوب" رواية جديدة وطليعية تقوم على تذكر المكان واستعادة الهوية التاريخية والحضارية والدفاع عن سلالة أمازيغية ريفية مهمشة لمدة طويلة بسبب الإقصاء والموت والانمحاء والرحيل التراجيدي الأبدي، وإن الرواية سفر إلى المتخيل الروحاني الإنساني لجماعة بشرية عبر الذاكرة واسترجاع الماضي ونبش في الأصول والفروع في نسق أوطبيوغرافي تاريخي.
كتب الأشعري منذ السبعينيات (صهيل الخيل الجريحة 1978) و(عينان بسعة الحلم 1981) و(يوميات النار والسفر 1983 ) و(سيرة المطر 1988) و(مائيات 1994م) و ( سرير لعزلة السنبلة 1998 ). وصدرت له عام 1991 مجموعة قصصية بعنوان (يوم صعب) . وفي سنة 1996 أصدر لأول مرة ضمن تجاربه الأدبية روايته (جنوب الروح).
هذا، وتصور (جنوب الروح) حنين الشخصيات الروائية إلى جذورها وأصولها السلالية ومنبتها القرابي والحضاري. وتؤرخ لأسرة آل الفرسيوي من بني عكي قبيلة بني توزين الموجودة في بوضيرب بتمسمان التابعة لإقليم الناظور في الشمال الشرقي بالمغرب وتنتمي إلى دائرة الريف. وقد هاجر آل الفرسيوي منطقة الريف منذ القرن التاسع عشر في سنواته الأخيرة بسبب الأوبئة والمجاعات التي اجتاحت المنطقة. وهكذا غادرت هذه السلالة الريفية بوضيرب متجهة نحو زرهون المجاورة لفاس ومكناس.
وهذه الرواية مجرد استذكار نثري واسترجاع لتاريخ هذه السلالة وأسباب مجيئها إلى زرهون ووضعيتها الثقافية والدينية والاجتماعية والاقتصادية في هذه المنطقة، يقوم بهذا الاسترجاع (فلاش باك) حفيد الفرسيوي الأكبر الذي يدرس بكلية الحقوق بالرباط. وهو ابن محمد الفرسيوي الذي ترك لابنه كناشا يؤرخ لهذه السلالة الريفية الأمازيغية العريقة في الفحولة والجهاد والعبادة والتبرك الصوفي والروحاني. فعبر صفحات هذا الكناش يستعيد الكاتب تاريخ آل الفرسيوي وكيفية انتقالهم إلى دوار بومندرة بزرهون. ويقوم برحلة إلى مدينة الناظور لينتقل إلى بوضيرب عبر دريوش وميضار ليبحث عن جذور هذه السلالة ويبحث عن الأقارب والأجداد والآباء والأحفاد والإخوة لإحياء صلة الرحم وإحياء تاريخ هذا العرق الفرسيوي وإعادة تاريخ منطقة الريف وأبطالها الأشاوس المجاهدين كمحمد بن عبد الكريم الخطابي وشجاعة بني توزين وأهل تمسمان. فرحلة الكاتب هي حنين إلى الأصل وجذور المنبت السلالي، واستذكار للماضي وتاريخ الريفيين إبان القرون الماضية وفترة الحماية وما بعد الاستقلال.
وتطفح الرواية بشخصيات تاريخية واقعية وأسطورية ودينية ساهمت في خلق أفضية آل الفرسيوي بدوار بومندرة في ناحية زرهون حيث الزوايا وأضرحة الأولياء ومدفن مولاي إدريس الأول وتلاوة القرآن وتراتيل أوراد المشاهدة الوجدانية.
وهكذا تسجل الرواية رحلة آل الفرسيوي من الشمال (منطقة الريف) نحو الجنوب (زرهون) بحثا عن الاستقرار والعيش الآمن وخصوبة الأراضي لتفليحها والأكل من ثمارها وشرب ألبان حيواناتها وشرب مياه عيونها الأطلسية المثلجة وخلق أجواء الفرح والتناسل والإكثار من الأبناء والأحفاد لتوسيع السلالة بزرهون.
لكن الموت بدأ يحصد الكبار من الرجال والنساء معا وينذر أفراد هذه السلالة بالأجل المحتوم أو القضاء الذي لا مفر منه. وهكذا أصبح الموت حالة طبيعية في دوار بومندرة: «... وبدأت دورة أخرى في حياة بومندرة، بدأت بازدهار مدوخ (...) ثم آلت إلى ضمور محزن"(1). " وهكذا نشأ دوار بومندرة (...) لكن الأمكنة عندما تولد فإنها لا تنتظر من أحد أن يقود خطاها الصغيرة"(2).
وما رواية (جنوب الروح) إلا رواية المكان والحنين إلى الجذور والأصل والمنبت، وتدوين الرحلة والهجرة من مكان الموت إلى مكان الموت. إنها رواية الجنازة ورحلة العذاب والموت، وتصور كذلك بروح إثنوغرافية عادات الريفيين بزرهون وطبائعهم وترابطهم العائلي واجتماعهم على محبة الله والتعاون والتآزر والإخاء والتضامن.
وتظهر دواوير بومندرة كأنها رباطات صوفية وأضرحة ربانية وزوايا صوفية ومساجد قرآنية. وفي الوقت نفسه نجدها فضاء للصراعات والجدالات ومقامات النفاق ومرتع الأهواء والزيف والهراء وتحقيق الرغبات الغريزية الطبيعية في الإنسان القائمة على المتعة والشهوة وإشباع اللذات الجنسية؛ ومعاقرة محمد الفرسيوي للخمرة بالرباط والتلهف الشبقي بحثا عن المرأة المؤنسة.
وهكذا يجتمع التقوى وحب الله والتصوف والعبادة إلى جانب الخرافة والشعوذة وممارسة الحرام. إنه فضاء القيم المزدوجة والمقنعة الذي يؤدي إلى الموت والفقدان وقطع جذور السلالة وانمحائها على مر السنين والعصور.
ويمكن القول: إن رواية (روح الجنوب ) هي رواية الموت والفقدان واستذكار المنسي والحنين إلى الأصل والتغني بالهوية الحضارية والثقافية حتى إن الكاتب يستعمل اللغة الريفية ليحتك بجذور السلالة وعوائدها الاجتماعية والسلوكية والأخلاقية.
وهذه الرواية "تفسح المجال للذات في تماسها وحوارها مع المجتمع والتاريخ والآخر، وهي على صلة وثيقة بالهوية الثقافية للإنسان المغربي، وتتعامل مع الثقافية الشعبية واللاشعور الجماعي، وتستنطق التاريخ المغربي غير الرسمي، وتتمثل الجغرافيات والمتخيلات، وتتفاعل مع الحكايات الشفوية الشعبية، وتستحضر مختلف اللغات والقدرة كبيرة على تشغيل اللغة وتوظيف الأحلام وتفسير الأحلام وتجعل من الاستيهامات الشرط الأساسي كباقي أساسيات الحياة اليومية للإنسان"(1).
وهكذا فرواية (روح الجنوب) هي رواية "لعبة التذكر" على خلاف رواية محمد برادة (لعبة النسيان)؛ لان الكاتب يستهويه الحنين إلى أماكن انطلاق أسرته واستقرارها بزرهون. إنه تاريخ حافل بالذكريات والبطولات والفحولات والنضالات والأفراح والمآسي. ويمكن تحديد مجموعة من التيمات الأساسية في الرواية بعضها يتداخل مع بعض في شكل بنيوي نسقي ووظيفي، وهذه التيمات هي:
التضرع الروحاني والموت والفقدان والرحلة والهجرة والهوية والحنين إلى الجذور والأصول والتاريخ والتذكر والتغني بالمكان سواء أكان مقدسا أم مدنسا وتحضر تيمة الموت في معظم النصوص الروائية والإبداعية محليا وعالميا عند توماس مان وهرمان بروخ ونجيب محفوظ ومحمد برادة ولدى جيمس جويس وتولوستوي وبروست. ويذهب الناقد الغربي " زوب لويس إلى القول بأن أفضل طريقة للتمييز بين الأجيال الأدبية هي معرفة كيف نظر كل منها إلى حقيقة الموت"(1).
وتحضر في هذه الرواية كذلك شخصيات ميثولوجية ودينية إلى جانب أفراد آل الفرسيوي: رجالا ونساء وكبارا وصغارا وأجدادا وأحفادا. وقد صورتهم الرواية بطريقة أسطورية وجعلت منهم كائنات ملائكية وذوات روحانية لا تخطئ، حتى وإن أخطأت فسرعان ما تتضرع إلى الله تبارك وتعالى طالبة منه المغفرة متبركة بالأولياء الصالحين. وبلغ هذا التصوير درجة التنزيه والتشيع لآل الفرسيوي وتمجيدهم بطريقة المفارقة والمبالغة في آن معا.
وقد انصب الوصف في الرواية كثيرا على الأمكنة سواء المدنسة منها أم المقدسة عبر الارتحال أو الاستقرار راصدا الأفضية المنغلقة والمنفتحة منها/ والحميمية أو العدائية بصيغة شاعرية وإيحائية تستند إلى ذكر المواصفات والتشبيهات على غرار الرواية الرومانسية أثناء نقل مشاهد الطبيعة وذكر قسماتها ونعوتها وسماتها الذاتية والخارجية واستنطاقها أنسنة وتجسيدا وتشخيصا. كما نلاحظ إلى جانب وصف الأفضية والشخصيات وصف الوسائل الحيوانية منها (الحمار) أو المادية (البلنسيانا). وهذا الوصف الموجود في الرواية يغلب عليه الاستقصاء والتفصيل والتوسيع في بعض الأحيان. وفي أحيان أخرى يكتفي بالإيحاء والتلميح والاقتصاد في الأوصاف واستعمال الفواصل القصيرة والجمل البسيطة في نقل مشاهد إثنوغرافية من عادات وطبائع آل الفرسيوي وذكر أطعمتهم وملابسهم وإقبالهم على العبادات ودفن أمواتهم وسلوكاتهم في أفراحهم .
وإذا انتقلنا إلى دراسة الفضاء المكاني في الرواية وجدنا العنوان الخارجي يحيل على مدى أهميته واحتوائه لمعظم الأحداث وجزئياته المتشظية. فهو المرصد الحقيقي للحكاية في انتفاخاتها وتوسعاتهاالقصصية والسردية. إن الجنوب هو المكان الرئيسي في الرواية؛ لكونه يضم أفضية متنوعة مثل زرهون وبومندرة والأضرحة والزوايا والمساجد والدواوير والجبال والمزارع، ويطبع هذا المكان الموت والفقدان ومحو الآثار والحنين إلى جذور السلالة في الشمال. ويلاحظ كذلك أن الروحانية التي تطبع العنونة الخارجية ذات دلالتين متناسقتين: إذ تدل الروح على الموت والتضرع الصوفي والطهارة والنقاء الرباني. ويشير الجنوب إلى اتجاه الهجروالارتحال وتعيين البداية والنهاية .
هذا، وتصور الرواية رحلة من الناظور إلى مكناس، وإعادة سيناريو الهجرة عبر التذكر من خلال إحياء هذه الهجرة عبر الممارسة الفعلية لحفيد الفرسيوي الجد من الجنوب نحو الشمال بحثا عن الجذور وأصول السلالة في قبائل بني توزين الواقعة في تمسمان.
ويلاحظ مدى توظيف
الكاتب لمحكي السفر على غرار كتابات الرحالة والجغرافيين والمؤرخين.
أما من الناحية السردية والجمالية، فيستعمل الكاتب ضمير المتكلم لخلق سيرة تاريخية وذاتية في آن معا. فالأولى غيرية (آل الفرسيوي)، والثانية أطوبيوغرافية ( الذات في علاقة مع الغير﴾.
ويلاحظ سرديا هيمنة الرؤية من الداخل حيث السارد حاضر ومشارك في إنجاز الأحداث والبرامج السردية. ويقوم السارد المساوي للشخصيات في المعرفة بتبئير الأحداث وسردها لتنتقل الرؤية المصاحبة إلى رؤية من الخلف في الفصول الأولى من الرواية وذلك باستعمال ضمير الغياب وسرد النواحي الخارجية والداخلية والتغلغل في الأعماق الشعورية واللاشعورية لآل الفرسيوي.
ومن الناحية الزمنية، فالرواية استرجاع وتذكر للماضي بطريقة إيحائية مما جعل التسلسل المنطقي والزمني يصابان بالاختلال السردي والتشظي الحكائي. ويلاحظ كذلك تداخل الأزمنة بطريقة ممتعة جدا توحي بمدى تمكن الكاتب بتقنيات الرواية الطلائعية وتجريب مفاهيم النقد السردي الحداثي. إذ السارد/الكاتب هو الذي يقوم في الحاضر باسترجاع ماضي السلالة معتمدا على الزمن الهابط وذلك بالانتقال بين الحياة والموت بحثا عن الجذور وأصول العائلة وما لحقها من تطورات معيشية في زرهون.
ويمتد زمن القصة من أواخر القرن التاسع عشر ويمر بزمن الحماية ومغرب الاستقلال والمغرب المعاصر في راهنية الكاتب في علاقته بالفضاء العام والفضاء الخاص.
هذا, وقد استخدم الكاتب الأسلوب غير المباشر (الخطاب المسرود) بكثرة، وهذا أمر يدل على مدى اقتراب النص المحكي من الخطاب التاريخي واستلهام موضوعيته وسرد الأحداث واسترجاع المحكي المنسي.
ويوجد إلى جانب هذا الأسلوب حوار الشخصيات وأسلوب المنولوج والأحلام ( رأى فيما يراه النائم...). وهذا يجعل من الرواية نصا ثريا بالأساليب والسجلات اللغوية، و نجد لأول مرة – في اعتقادنا- رواية مغربية توظف أمازيغية الريف المغربي(1). وهي مسورة بالفصحى إلى جانب الدارجة أو العامية المغربية خاصة في الفصل الأول والفصول المتوالية لها. وتتناسق هذه التعددية اللغوية مع التعددية الأسلوبية المهجنة والتعددية الخطابية والأجناسية (الرواية – التاريخ- السفر- السيرة...) إلى جانب مستنسخات دينية وأسطورية وحلمية وصوفية.
أما لغة الرواية فهي لغة إنشائية شاعرية موحية تميل إلى اللغة الرومانسية الرشيقة ذات الطابع الصافي الرقيق. وتمتاز بوضوحها واحترامها لقواعد التصريف وتراكيب اللغة العربية وسنن إملائها وكتابتها إلى جانب اتساق فصولها وانسجامها على الرغم من الاختلال الزمني والإكثار من الاسترجاع لزمن الماضي على حساب الحاضر والمستقبل؛ مما جعل هذه الرواية نصا يقوم على استذكار ماضي المكان عبر تفتيت مخيلة الكبار وكناش محمد الفرسيوي والارتحال فعليا إلى أصل السلالة (بوضيرب) عندما قام ابن محمد الفرسيوي بترجمة التذكر إلى الممارسة الحقيقية حيث انتقل إلى عين المكان لينبش في جذور الذاكرة وفروع السلالة وأصولها لإحياء الماضي من جديد.
ونلاحظ تناصيا عدة سجلات ونصوص وخطابات تفاعلت في الرواية لتخلق منها نصا متعدد الأجناس والأنواع ومنفتحا على باقي المعارف والنصوص الإبداعية والفنون الأدبية، ومنها :
1- الخطاب المناقبي الصوفي (الأضرحة، الزوايا، الولاية...)
2- الخطاب التاريخي (خطاب ثورة عبد الكريم الخطابي، مجاعات الريف وأوبئتها ، الحماية ، استغلال المغرب...)
3- الخطاب الديني ( النصوص القرآنية...)
4- الخطاب العجائبي (تحول ذكر الفرسيوي الأكبر في صلابته وقوته إلى أرنب....)
5- الخطاب الأسطوري ( قصة الملك شمهروش ملك الجن...)
6- خطاب الرؤيا والأحلام ( رأى فيما يرى النائم...)
7- خطاب الرحلة والسفر ( الارتحال من الشمال نحو الجنوب...)
ويمكن أن تكون رواية (لعبة النسيان) لمحمد برادة حافزا جنينيا ودافعا إبداعيا لكتابة هذه الرواية الرائعة في طابعها الفني والإثنوغرافي والتاريخي. فإذا كانت رواية محمد برادة قائمة على لعبة النسيان لكل ما يمت بصلة إلى الفضاء الخاص أو العام، فإن رواية محمد الأشعري تستند إلى لعبة التذكر لكل ما يتعلق بالفضاء من شخوص وأحداث سواء أكانت خاصة أم عامة.
أما عن أبعاد هذه الرواية فإنها تدافع عن جذور الإنسان وأصوله وهويته وحقوقه في إثبات انتنمائه المكاني واللغوي. لذلك ينفض الغبار عن مناطق مهمشة مثل الريف بكل أبعاده التاريخية والحضارية. إنه يريد أن يتذكر ماضي هذه المنطقة ليبين ما تزخر به من إمكانيات نضالية وفحولية وبطولات شرفت التاريخ (ثورة عبد الكريم الخطابي- جهاد الريفيين ومواجهاتهم العديدة للمستعمر وصراعهم مع المحيط الذي أصابته عدة أزمات مثل غمة المجاعة والأوبئة العديدة مما دفع بالكثير من الريفيين للهجرة إما إلى الشرق (الجزائر) أو إلى الجنوب (زرهون- فاس- مكناس – تازة) أو إلى الغرب وشماله (تطوان – شفشاون – طنجة– العرائش – القصر الكبير ...).
ويدافع محمد الأشعري في هذه الرواية عن أمازيغية الريف وكينونتها الحضارية كما يدافع عن الريفيين أينما حلوا وارتحلوا ويحثهم على التشبت بالهوية وطبائعهم وسلوكاتهم ومعتقداتهم وبراءتهم الفطرية وأخلاقهم الروحاينة وتصرفاتهم الاجتماعية حيث يصورهم بطريقة تنزههم وتوصلهم إلى مراتب التمجيد والتطهير والولاية الصوفية على الرغم من بعض المفارقات الشائنة التي نشتم منها رائحة التهكم والسخرية
هذا ويؤكد الكاتب مدى محافظة الريفيين على عاداتهم وطبائعهم وعدم تغييرها حيث استقروا أو ارتحلوا، بل يستمرون في التشبت بتقاليدهم وأعرافهم كما ورثوها من أجدادهم ثابتين عليها ومحافظين لا مبتدعين ولا ضالين. لذلك يدعونا الكاتب – ضمن أطروحة الرواية- إلى عدم نسيان جذورنا وهويتنا الحضارية والدينية والثقافية واللغوية بالخصوص، والاعتزاز بها أيما اعتزاز وفخر. ويرفض الكاتب سياسة التهميش لجذور هؤلاء الريفيين المستقرين أو المهاجرين. كما يندد بالذين يحاولون طمس هويتهم وإقصاء لغتهم و يحاول معاقبة كل من ساهم في إذكاء سلطة النسيان والفقدان وإماتة هذه السلالة بطريقة شعورية أو لاشعورية.
إن محمد الأشعري من خلال هذه الرواية كأنه يقول لمحمد برادة: إن قضيتنا الجوهرية والمستقبلية والحضارية ليست لعبة النسيان والفقدان بل هي قضية أساسية نسميها عن طريق المفارقة بلعبة التذكر واسترجاع الهوية وما يتعلق بها من كينونة لغوية وحضارية وسلالية. وقد قال شكسبير : " كن أو لا تكن، ذلك هو السؤال ! To be or not to be that is the question. ومن ثم، فسؤال الرواية هو : من نحن ؟ والجواب هو : أن نعيد تذكر الجذور والسلالات وربط الحاضر بالماضي.
وبناء على ما سبق، يمكن القول : إن رواية "روح الجنوب" رواية جديدة وطليعية تقوم على تذكر المكان واستعادة الهوية التاريخية والحضارية والدفاع عن سلالة أمازيغية ريفية مهمشة لمدة طويلة بسبب الإقصاء والموت والانمحاء والرحيل التراجيدي الأبدي، وإن الرواية سفر إلى المتخيل الروحاني الإنساني لجماعة بشرية عبر الذاكرة واسترجاع الماضي ونبش في الأصول والفروع في نسق أوطبيوغرافي تاريخي.
مواضيع مماثلة
» "محاولة عيش" لمحمد زفزاف
» شبكة تحليل رواية محاولة عيش
» الأسطورة الهولندية " فرانك دي بور" في تدريبات برشلونــة وذكريات الماضي الجميل مع بيب
» شبكة تحليل رواية محاولة عيش
» الأسطورة الهولندية " فرانك دي بور" في تدريبات برشلونــة وذكريات الماضي الجميل مع بيب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت يونيو 18, 2022 12:32 pm من طرف Admin
» دوري رمضان المدرسي الأول لـ عمر بن عبد العزيز ترسيخ للتكامل بين الرياضة و الدراسة
الثلاثاء مايو 24, 2022 10:33 am من طرف Admin
» التلميذ هيثم البردعي رائد السرد و حامل مشعل إعدادية عمر بن عبد العزيز
السبت مايو 21, 2022 11:32 am من طرف Admin
» أبطال عمر بن عبد العزيز يتألقون في البطولة الإقليمية لإلعاب القوى
الثلاثاء مايو 17, 2022 10:17 am من طرف Admin
» رَائدات ورُوّاد عمر بن عبد العزيز للّغة العربية في حضرة محمد عابد الجابري
الإثنين مايو 16, 2022 7:15 pm من طرف Admin
» رُوّاد عُمر بنُ عبد العزيز للُّغة العَربية يَتأهَّلون للإقصائيات الإقليمية
الثلاثاء أبريل 26, 2022 5:54 pm من طرف Admin
» صغار عمر بن عبد العزيز يواصلون تألُّقهم رغم الإقصاء
الأحد أبريل 03, 2022 6:45 pm من طرف Admin
» فريق ثانوية عمر بن عبد العزيز الإعدادية لألعاب القوى يحصد سبع ميداليات جديدة
الخميس مارس 31, 2022 11:46 am من طرف Admin
» صغار عمر بن عبد العزيز يخطفون الكأس ( صور )
السبت مارس 12, 2022 8:39 pm من طرف Admin
» ثانوية عمر بن عبد العزيز تحتفل بعيد الاستقلال
الخميس نوفمبر 19, 2020 4:17 pm من طرف Admin